سنحاول من خلال هذا المقال المختصر تقديم نظرة شاملة ومختصرة عن أهم مؤشر اقتصادي تستخدمه الدول لقياس حجم الاقتصاد و تتبع نسب و مستويات تطوره على امتداد السنة، و نريد الإشارة إلى أن هذا الموضوع كبير و عميق و قد يتطلب سنوات من البحث و الدراسة دون الوصول إلى الإحاطة الكامله به لتعقيدات محدداته و لتغير بنيات اقتصادات الدول باستمرار٫ لذلك نهدف من خلال هذه المدونة إلى محاولة تقديم نظرة مختصرة و مبسطة لأهم المفاهيم الاقتصادية و على رأسها مفهوم الناتج المحلي الإجمالي دون الغوص في كل التفاصيل التقنية الكثيرة٫ فيكفي أن أذكر مثلا أن “دليل” الأمم المتحدة للحسابات القومية وحده٫ يحتوي على أزيد من 700 صفحة.
1.مفهوم الناتج المحلي الإجمالي
يعتبر الناتج المحلي الإجمالي أهم مؤشر ماكرو اقتصادي لقياس القيمة النقدية السوقية لكل السلع والخدمات التي ينتجها البلد خلال السنة، وقد أصبح الناتج المحلي الإجمالي بعد مؤتمر بريتون وودز عام 1944، الأداة الرئيسية لقياس حجم و قوة اقتصاد البلدان و دخلها القومي باعتبار أن الشعوب ذات الدخل المرتفع غالبا ما تتمتع بمستويات معيشية أفضل كالسكن الأكل التعليم و التطبيب.
و قد تم تطوير و
استخدام الناتج المحلي الإجمالي سنة 1934
من طرف عالم الاقتصاد سيمون
كوزنتس بعدما طلب منه الكونجرس الأمريكي إيجاد طريقة لحساب إجمالي الثروة التي
تنتجها أمريكا بعد الخروج من الكساد
الكبير.
2.طرق حساب الناتج المحلي الإجمالي
كل دولة تحاول
تقدير و حساب ناتجها المحلي الإجمالي بطريقة قد تكون مختلفة عن بعضها البعض
بشكل طفيف أحيانا وحتى بشكل كبير في
أحيان أخرى باعتبار أن معظم دول العالم
تسعى إلى تقدير حساباتها القومية اعتمادا
على البنيات و الخصوصيات الاقتصادية
الخاصة بكل بلد و تماشيا مع المعايير
الدولية للحسابات القومية المعتمدة من
طرف الامم المتحدة.
في حالة المغرب، تقوم مؤسسات كثيرة بحساب الناتج
المحلي الإجمالي و على رأسها المندوبية
السامية للتخطيط التي تعتمد نظام الحسابات
الوطنية حسب معايير الحسابات القومية
للأمم المتحدة مراجعة 2008. كما يقوم المعهد الوطني
للإحصاء و الدراسات الاقتصادية بحساب
الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا٫ وفي
بريطانيا يتكلف مكتب الإحصاء الوطني بهذه
المهمة بينما في أمريكا تسند مسؤولية
حساب الناتج المحلي الإجمالي إلى مكتب
التحليل الاقتصادي التابع لوزارة التجارة .
يمكن حساب الناتج المحلي الإجمالي بثلاث مقاربات تعطي نفس النتيجة من الناحية النظرية : طريقة الإنتاج أو القيمة المضافة، طريقة الدخل، وطريقة الإنفاق أو الطلب ، حيث أن الدخل الكلي لأي بلد لا بد و أن يساوي استهلاك البلد الكلي، كما يمكن للطلب الكلي أن يأخذ أربعة أشكال تساوي في مجموعها الناتج المحلي الإجمالي: الاستهلاك النهائي ، الاستثمار، النفقات الحكومية و صافي الصادرات.
في حقيقة
الامر٫ تقوم الدول بتقدير قيمة الناتج
المحلي الإجمالي سواء كل بضعة أشهرأو سنويا٫ لأنه من الصعب حساب القيمة
السوقية لكل السلع و الخدمات التي تنتجها
الدولة كل سنة بدقة %100 لذلك تلجأ الإدارات المكلفة بالمحاسبة
الوطنية إلى الاعتماد على طرق إحصائية
مختلفة لتقدير قيمة الناتج المحلي الإجمالي خاصة الدراسات و الاستقصاءات المتعددة
كاستقصاءات القطاعات المنتجة للسلع و
الخدمات كالفلاحة الصناعة الخدمات، التجارة
النقل المعادن استقصاءات نفقات و
استهلاك الأسر٫ الاستثمارات العمومية٫
استقصاءات الشركات المتوفرة على نظام
المحاسبة العامة٫ دراسات و استقصاءات
القطاع الغير المهيكل خاصة في الدول التي
يشكل فيها هذا القطاع جزءا كبيرا من إنتاج
الثروة٫ و يتم تحيين قاعدة هذه الدراسات و
الاستقصاءات كل خمس سنوات بالنسبة لبعض
الدول أو أكثر بالنسبة لدول أخرى.
لذلك غالبا
ما تتغير قيمة الناتج المحلي الإجمالي بمجرد تحديث سنة الأساس، و التي
يعتمدها نظام المحاسبة الوطنية لحساب
الناتج المحلي الإجمالي ٫ فسنة 1998
ازدادت قيمة الناتج
المحلي المغربي بحوالي %10بمجرد المرور من
نظام الحسابات الوطنية لسنة 1968 إلى نظام سنة 1993
مع تغيير سنة الأساس التي تعتمدها المحاسبة الوطنية لتحديد
بنية الاقتصاد بشكل كلي بناءا على دراسات
و إحصائيات شاملة. الأكثر استغرابا هو ما
حدث في بعض الدول الأفريقية التي ارتفع
ناتجها المحلي الإجمالي حتى بحوالي %90 بعد تغيير طريقة حساب
الناتج المحلي كنيجيريا سنة 2014
أو حالة غانا سنة 2010
حيث ازداد الناتج المحلي بحوالي %60 بعد
تحيين المقاربة المعتمدة للحسابات القومية.
3.الناتج المحلي الإجمالي و الناتج القومي الإجمالي
يجب التفريق بين الناتج المحلي الإجمالي و الناتج الوطني أو القومي الإجمالي الذي يأخذ في الحسبان إنتاج الثروة خارج حدود البلد، كما أن طريقة حساب الناتج الإجمالي قد تكون إسمية أو حقيقية بالأسعار الثابتة أو بتعادل القوة الشرائية، لذلك يمكن أن يتعارض الناتج الداخلي الخام مع الناتج القومي الإجمالي، حيث أن الناتج المحلي الإجمالي يحدد نطاقه داخل حدود الدولة فقط مهما كانت جنسيات الفاعلين الاقتصاديين عكس الناتج القومي الإجمالي الذي يختلف بدوره عن الدخل القومي بشكل بسيط، لكن أصبح مصطلح الدخل القومي الإجمالي (GNI) غالبا ما يستعمل.
4.نواقص الناتج المحلي الإجمالي
يبقى مؤشر الناتج المحلي الإجمالي مؤشرا غير شامل و غير دقيق % 100 لحساب قيمة الثروات التي تنتجها المجتمعات ، حتى عندما يقسم على عدد السكان بالتساوي للحصول على الناتج المحلي الإجمالي للفرد، حيث أنه لا يعكس بصورة حقيقية ومطلقة مستوى معيشة الشعوب لاختلاف جودة السلع و الخدمات داخل كل بلد و لصعوبة تحديد و حساب كل أشكال الثروات المنتجة لاعتماده بشكل رئيسي على السلع و الخدمات القابلة للبيع مقابل المال و لعدم إدخال المؤشر في حساباته لعناصر كثيرة كالاقتصاد الغير المهيكل و الأسود و لعدم قدرته على تغطية كل الأنشطة الاقتصادية للدول.
يجب الإشارة إلى أن معظم دول العالم تعتمد في حساب الناتج المحلي الإجمالي على نظام الأمم المتحدة للحسابات القومية الذي يتم تحيينه أحيانا بتعاون و شراكة مع مؤسسات اقتصادية عالمية كصندوق النقد و البنك الدوليين.
تعليقات
إرسال تعليق