سنحاول من خلال قسم وجهة نظر، تقديم مواضيع اقتصادية و مالية و اجتماعية و تدبيرية بأسلوب لا يعتمد كثيرا على المقاربة الأكاديمية الصرفة، التي تتطلب معالجة المواضيع بشكل رسمي إن صح التعبير، قد يكون صعب الفهم على عدد كبير من غير المتخصصين و المهتمين بعالم المال و الأعمال.
فالمواضيع التي سبق التطرق إليها لحد الساعة، من خلال هذه المدونة ، هي مواضيع تم تقديمها بشكل علمي أكاديمي لا يسمح بالاجتهاد كثيرا عبر تقديم أفكار و تحليلات شخصية؛ و هي أفكار قد لا تتفق مع بعض المفاهيم و النظريات الاقتصادية. لذلك، حاولنا و نحاول دائما وقدر المستطاع، نقل المعلومات و المعارف المعتمدة و المتعارف عليها علميا و دوليا، و تجنب الدخول في بعض التفاصيل التقنية التي قد لا يتفق عليها الجميع، مما قد يسبب التباس و تشويش لدى القارئ.
قد لا نتفق مع بعض الأفكار التي جاء بها بعض كبار الاقتصاديين، لكن رغم ذلك، من الواجب تقديم المعرفة بصورة موضوعية بعيدا عن الآراء الشخصية حتى تعم الفائدة جميع المهتمين بعالم المال و الأعمال، كيفما كانت نظرتهم و مقاربتهم الاقتصادية. فطالب الاقتصاد مثلا، الذي يريد معرفة و دراسة الأفكار الكينزية أو الماركسية، قد لا يهمه كثيرا الرأي الشخصي للكاتب، ما دام الطالب سيمتحن في مواد و فصول محددة أكاديميا يصعب الخروج عنها، عكس المهتم بعلم الاقتصاد للأغراض الشخصية و التثقيفية فقط.
فحتى مقاربة المواضيع الاقتصادية قد تتخذ شكلين رئيسيين: المقاربة الموضوعية الإيجابية، التي تحاول شرح الأحداث و الوقائع الحقيقية، و بالتالي تصف كيف تعمل الميكانيزمات الاقتصادية (وهنا يعتبر الاقتصادي كعالم) كالقول بأن رفع نسبة الفائدة يؤدي إلى صعود سعر صرف عملة البلد، بعدما تمت ملاحظة و تأكيد العلاقة السببية بين معدل الفائدة و سعر صرف العملة على أرض الواقع. عكس المقاربة المعيارية النموذجية، التي تحاول أن تشرح لماذا تعمل الميكانيزمات الاقتصادية بهذا الشكل أو ذاك، و الأهم كيف يجب أن يعمل الاقتصاد (هنا يعطي الاقتصادي آرائه و أفكاره الخاصة و قد يعتبر بمثابة مستشارا للسياسات الاقتصادية و ليس كعالم) كالقول يجب رفع معدل الفائدة لدعم سعر صرف العملة الوطنية.
فرفع سعر الفائدة من طرف البنك المركزي، يؤدي نظريا إلى ارتفاع سعر صرف العملة الوطنية في أسواق الفوركس ، لكن على أرض الواقع قد لا تتحقق هذه العلاقة بشكل مستمر و تناسبي و قد تختلف النتائج من بلد إلى آخر.
الاقتصاد علم اجتماعي بامتياز، مادام يدرس و يحلل سلوكيات الأفراد و ما ينتج عنها من اتخاد مختلف القرارات الاقتصادية، كشراء سلعة معينة مثلا؛ و الاقتصادي يعتمد بدرجة كبيرة على عقله لإجراء مختلف التجارب الاقتصادية، عكس عالم الطبيعة كالفيزيائي أو البيولوجي، الذي يلجأ إلى المختبر، اعتمادا على المنهج الاستقرائي، لإجراء التجارب على عينات صغيرة، و من بعد قد يتم تعميم الخلاصات على مستوى أكبر و أوسع إذا تم تأكيد النتائج و النظريات النهائية، أي أن الباحث ينتقل من الجزء إلى الكل. و هذا عكس المنهج الاستنباطي، الذي ينتقل من الحالة العامة إلى الحالة الخاصة، أي من الكل إلى الجزء.
لا يعقل مثلا، أن يقوم البنك المركزي التابع لدولة ما بتخفيض سعر الفائدة بدرجة كبيرة لا تناسب هيكلة الاقتصاد الوطني، و ذلك فقط من أجل اختبار فرضيات اقتصادية و مالية معينة، لأن نتائج هذه العملية على أرض الواقع قد تكون عكسية و سلبية بشكل كبير و قد تسبب أزمات اقتصادية طويلة المدى.
فالفيزيائي يعلم أن درجة غليان الماء هي حوالي 100 درجة مئوية، بينما درجة بداية تجمده هي 0 درجة؛ و هذه العلاقة تتحقق دائما و في كل زمان ومكان، على الأقل على كوكب الأرض، لأنه قانون فيزيائي يتحقق كلما توفرت نفس شروط التجربة. عكس صاحب القرار الاقتصادي، الذي لا يمكنه أن "يغامر" باعتماد سياسة اقتصادية معينة قد تعطي نتائج مختلفة حسب البلدان التي طبقت فيها، بسبب تأثيرات و تداخلات عوامل كثيرة أخرى، لا يمكن لرجل الاقتصاد التحكم فيها، ما دامت النظريات الاقتصادية تطبق أساسا على سلوكيات بشرية نفسية و اجتماعية معقدة، يصعب توقع ردة فعلها بدقة وقد تختلف من دولة إلى أخرى.
فالاعتماد على دراسة و تحليل بيانات اقتصادية و مالية للأحداث الماضية لدولة أو دول ما، من أجل الخروج بنظرية و قوانين اقتصادية معينة، بهدف تطبيقها على دولة أخرى قد يعطي نتائج عكسية أو مختلفة عما كان منتظرا من الناحية النظرية.
تعليقات
إرسال تعليق