من خلال هذه المشاركة، سنقدم نظرة مختصرة عن أهم خاصيات و كيفية عمل أسواق الأوراق المالية (البورصة)، و يجب الإشارة إلى أننا سنحاول التكلم عن سوق البورصة بشكل عام، أي بدون الدخول في كل تفاصيل عمل البورصة باعتبار وجود أنواع كثيرة من الأسواق المالية كأسواق الأسهم و السندات، أسواق السلع و العقود الآجلة للمنتجات المشتقة، و لكون عمل البورصات قد يختلف بشكل ما من بلد إلى آخر، كما أن الأوراق المالية المتداولة في سوق البورصة تخضع لقوانين كل بلد على حدة؛ ففي بعض الدول مثلا، لا توجد بورصة السلع أو لا يسمح بالبيع على المكشوف في سوق الأسهم، أو أن سندات خزينة الدولة غير متاحة للعموم بشكل مباشر و غير مدرجة في البورصة إلخ.
يمكن إطلاق تسميات كثيرة على سوق الأوراق المالية، فيمكن تسميته بسوق رؤوس الأموال الطويلة الأجل، السوق المالية، سوق القيم المنقولة، سوق البورصة... و يلعب سوق الأوراق المالية دورا مهما في الاقتصاد الوطني، خاصة في اقتصادات السوق، حيث يسمح بالتقاء من هم في حاجة إلى التمويل كالدولة و المقاولات العمومية و الخاصة، مع المستثمرين أصحاب الادخار الذين يتوفرون على فائض في السيولة المالية، لا يكونون في حاجة إليه على المدى القصير المتوسط و بشكل خاص على المدى الطويل، و الذين يريدون توظيف أموالهم عبر الاستثمار في الأوراق المالية .
و حتى يتسنى لنا معرفة كيف تعمل أسواق الأوراق المالية، لا بد من معرفة ماهية و أنواع القيم المنقولة أو الأوراق المالية، المتدخلين الأساسيين في سوق البورصة، تقسيم سوق البورصة إلخ؛ علما أننا سنخصص مقالات أخرى لتفصيل بعض خصائص عمل البورصات، لكون الموضوع طويل و لا يحبذ تجميعه في مقال واحد لذلك سنقتصر في هدا المقال، على تعريف سوق البورصة و تقديم أهم الأوراق المالية المتداولة في بورصات الأسهم و السندات.
نبذة تاريخية عن البورصة
تم اشتقاق كلمة البورصة من إسم العائلة البلجيكية فان در بورصن، التي كانت تعمل في المجال التجاري و البنكي، حيث كان فندق العائلة ببلجيكا نقطة التقاء التجار و المستثمرين للتداول على السلع المختلفة ابتداء من القرن 15. و تعتبر بورصة أمستردام أول و أقدم بورصة حقيقية حديثة انذاك في العالم، تأسست بداية سنوات 1600 ميلادية من قبل شركة الهند الشرقية الهولندية، لتداول أسهم و سندات الشركة التاريخية العملاقة، بعدما حصلت الشركة على حقوق حصرية من طرف السلطات الهولندية سمحت لها باحتكار كبير للتجارة في بعض مناطق آسيا كالصين الهند و اليابان، لكون الشركة كانت تتوفر على مئات السفن التجارية و الحربية، إضافة إلى الى جيش خاص بها، و لا ينافسها انذاك إلا شركات قليلة من أهمها شركة الهند الشرقية الإنجليزية؛ و هو ما جعل الشركة الهولندية تقوم بتمويل عملياتها الاستكشافية الضخمة المحفوفة بالمخاطر كالقرصنة و الأحوال الجوية، عبر إصدار الأسهم و السندات القابلة للبيع في السوق الثانوية أي سوق البورصة الحقيقي المادي. وكانت بورصة أمستردام قد بنيت في أول الأمر بداية سنوات 1530 كسوق لتبادل السلع الأساسية كالقطن و التوابل.
ظهرت عبر التاريخ أسواق أخرى لتبادل الأوراق المالية، حيث يمكن القول أن أصل بداية ظهور شكل أو أشكال معينة من أسواق البورصة قد يرجع إلى العصر الروماني ما قبل الميلاد حسب بعض المؤرخين، لوجود سوق بدائي لتداول السندات انذاك من أجل تمويل حملات الجيش و البنية التحتية؛ كما تعتبر مدينة البندقية الإيطالية أقدم مكان للتجارة في سندات الديون؛ كما كانت قد ظهرت أماكن أخرى في فرنسا و بريطانيا للتداول، حيث كان يلتقي التجار و المستثمرين في المقاهي المخصصة للتداول في بريطانيا .
بعد بورصة أمستردام للأسهم، بدأت تظهر و تتطور بورصات حديثة للأوراق المالية خاصة في أوروبا كبورصة لندن، و بورصة باريس، و بورصة فلاديلفيا في أمريكا؛ علما أن البعض من هذه البورصات كان موجودا حتى قبل بورصة أمستردام، لكنها لم تكون بورصات حديثة انذاك ولم تكون مخصصة لتداول الأسهم، لذلك تعتبر بورصة أمستردام أقدم بورصة حديثة في العالم لتداول الأسهم.
يمكن تخيل كيف كان أجدادنا القدامى يتداولون في سوق البورصة منذ قرون خلت، حيث لم يكن هناك لا هاتف و لا طائرة و لا تليجراف... أما الآن فقد أصبح التداول على الأوراق المالية سهل للغاية، فيمكنك فتح حساب للتداول من بيتك و البدء في شراء أسهم شركات عالمية بعيدة عنك جغرافيا بآلاف الكيلومترات.
مفهوم سوق الأوراق المالية
البورصة
يمكن تعريف البورصة بالسوق أو المكان الحقيقي المادي أو الافتراضي الإلكتروني الذي يسمح باللقاء بين فاعلين و وحدات اقتصادية من أجل بيع و شراء الأوراق المالية أو القيم المنقولة بأسعار سوق البورصة؛ فبائع الأوراق المالية غالبا ما يكون في حاجة إلى السيولة لتمويل احتياجاته، و المشتري غالبا ما يتوفر على فائض في السيولة يبحث عن كيفية توظيفه بأفضل طريقة ممكنة وهو ما يسمى بالسوق الثانوية، و الذي يختلف عن السوق الأولية المخصصة لإصدار أوراق مالية جديدة.
فسوق البورصة، أي بالتحديد السوق الثانوية للتداول على الأوراق المالية، قد يشبه بعض الشئ سوق القروض المصرفية، حيث يدخر المال من يتوفر على فائض في السيولة من خلال الاستثمار في منتجات بنكية مختلفة، من أهمها الودائع البنكية، و يقوم البنك في المقابل، بلعب دور الوسيط عبر إقراض الأموال المودعة لديه إلى فاعلين اقتصاديين آخرين قد يكونون في حاجة إلى السيولة..لكن السوق البنكية لا تسمح بالعمليات المتوفرة في سوق البورصة، كشراء حصة من رأس مال و أسهم شركة مدرجة في البورصة أو إعادة بيع الأوراق المالية في السوق الثانوية. فحتى عندما ينفذ البنك طلبا للزبون كشراء أو بيع أوراق مالية مدرجة في البورصة، فالبنك في هذه الحالة لا يلعب إلا دور الوسيط أي البنك مجرد سمسار أو بروكر لتنفيذ طلبات الزبائن في سوق الأوراق المالية المستقلة عن القطاع البنكي.
الأوراق المالية
يجب الإشارة إلى أن هناك أنواع كثيرة من الأوراق المالية، و التي قد تختلف من بلد إلى آخر حسب درجة نمو و تطور أسواق رؤوس الأموال الخاصة بكل بلد؛ فحتى في حالة الأسهم توجد الأسهم العادية و الأسهم الممتازة التفضيلية كأسهم أسبقية الأرباح دون الحق في التصويت، و السندات القابلة للتحويل إلى أسهم، السندات المسددة بالأسهم، سندات كوبون صفر بدون فائدة. لذلك سنقدم نظرة عن الأسهم و السندات العادية الكلاسيكية فقط، وهي الأهم بالنسبة لمستثمر التجزئة.
الأسهم العادية
يوجد شكلين أساسيين من الأوراق المالية المتداولة في سوق الأسهم و سوق السندات: الأسهم و السندات.
و الأسهم عبارة عن أوراق مالية تمثل ملكية جزء من رأس مال الشركة، وهي قابلة للتداول للعموم عندما تكون الشركة مدرجة، أي قابلة للبيع و الشراء في سوق الأسهم (بورصة الأسهم)، و تعطي لصاحبها حقوقا كثيرة، من أهمها حق الحصول على توزيعات الأرباح في حالة تحقيق الشركة أرباحا صافية و تقرير توزيعها على المساهمين، و حق التصويت في الجمعية العامة على القرارات المهمة للشركة.
فالمساهم هو كل شخص ذاتي أو معنوي يملك أسهم شركة معينة تتمتع بصفة قانونية محددة كالشركات المجهولة الإسم، سواء كانت الشركة مدرجة أو غير مدرجة في البورصة..و يتحمل المساهم أخطارا كثيرة باستثماره في الشركة؛ فقد لا تحقق الشركة أرباحا صافية و بالتالي لن يحصل على أرباح، بل قد تقرر الشركة عدم توزيع الأرباح حتى في حالة تحقيقها؛ وهذه القرارات تتحكم فيها الهياكل التقريرية للشركة كالجمعية العامة التي تمثل كل المساهمين في رأس مال الشركة، و بالتالي أصحاب الحصص الكبيرة في رأس المال، هم عموما، من يتخذ القرارات المهمة للشركة..كما أن المساهم قد يفقد حصته في رأس مال الشركة في حالة إفلاسها، إذا وجد دائنين آخرين مفضلين حسب القوانين الجاري بها العمل في كل بلد.
السندات
السندات هي أوراق مالية تصدرها خزينة الدولة المقاولات العمومية و الخاصة، و هي أوراق قد تكون متداولة في بورصة السندات، لكنها تختلف جوهريا عن الأسهم، حيث يعتبر السند بمثابة دين على الفاعل الاقتصادي المقترض الذي أصدره و ليس بمثابة حق للملكية كحالة الأسهم. فالمستثمر الذي يشتري السندات يقرض المال لمن أصدر السندات، على أن يسدد المقترض المدين للمقرض الدائن أصل مبلغ القرض عند الأجل المحدد المتفق عليه، أي عند أجل الاستحقاق. لذلك، السندات العادية الكلاسيكية لا تسمح .بالحصول على الأرباح، أو المشاركة في التصويت فغالبا ما يحصل المستثمر في سوق السندات على نسبة معينة ثابتة من الفوائد مقابل استثماره في السندات، لذلك تسمى أوراق مالية ذات الدخل الثابت.
و السندات غالبا ما يتم شراءها من طرف ما يسمى بالمؤسستيين، أي صناديق الاستثمار شركات التأمين، الأبناك الاستثمارية، صناديق التقاعد إلخ. و في أحيان كثيرة في بعض الدول تكون السندات غير متوفرة للعموم و غير مدرجة في البورصة إلا بشكل غير مباشر، عبر الاستثمار في مؤسسات أخرى توفر منتجات و أدوات مالية تضم السندات، كهيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة في بعض الدول و صناديق الاستثمار بشكل عام. لذلك من الضروري على المستثمر الذي يريد الاستثمار في سوق الأوراق المالية، الإطلاع على نشرة الاكتتاب الخاصة بالمنتجات المالية التي يريد الاستثمار فيها، حتى يأخذ فكرة شاملة حول خصائص العرض، كنسبة الفائدة التي سيحصل عليها، وهل هي ثابتة أو متغيرة، مبلغ القرض الإجمالي، ثمن الإصدار، مدة القرض، جدول دفعات استهلاك القرض، و هل السند مدرج في البورصة أو يتم تداوله خارجها بالتراضي.
تعليقات
إرسال تعليق